ماذا لو أصبحت اله ولك خلق يعبدوك؟
انتهيت من قراءة رواية "الجيل الثالث" للكاتب "محمود علام" في طبعتها الأولي الصادرة من دار كيان للنشر والتوزيع بعدد صفحات 398 صفحة.
"محمود علام" من الكتاب الشباب المتميزين له طابع خاص ودائما
مايغرد خارج السرب منذ أن قرأت له "كتاب الشمس" ثم تلاه
"التنظيم" ومتابعتي لما يكتبه في مواضيع علمية وسياسية واجتماعية متميزة
علي صفحته الشخصية تيقنت أني أمام حالة ابداعية فريدة وعقلية تشي بنبوغ فكري جديد
حتي وصلت الي "الجيل الثالث" التي أكدت حدسي وصدق توقعاتي.
رواية "الجيل الثالث" تنقسم في تصنيفها الي ثلاث اقسام ، القسم
الأول رواية مغامرات شبيهه الي حد بعيد بسلسلة أفلام "انديانا جونز" من
حيث الحركة والتشويق والصراع والاكتشافات الأثرية ، القسم الثاني رواية خيال علمي
من روايات الديستوبيا - الديستوبيا هي عكس اليوتوبيا المدينة الفاضلة – وكالعادة فهي
تتوقع مستقبل ملئ بالسواد ، القسم الثالث هو جانب فلسفي تخطي به "علام"
جميع الحواجز الفكرية والمبادئ المعتقدية ، تلك التوليفة العجيبة ان دلت علي شئ
فهي تدل علي أنك أمام كاتب من نوع خاص رائد في طريق بدايته من عنده.
أبطال الرواية جميعهم اشخاص غربية ماعدا شخصية واحدة عربية والنصف الأول
منها تدور في صحراء العراق وباقي الرواية تدور في الجانب الآخر من العالم وكأنها
اكليشيه فلا يصح لرواية خيال علمي أن تدور أحداثها الا في وطنها الأم أمريكا،
السرد والحوار باللغة العربية الفصحي بأسلوب راقي وشائق يجذب القارئ ولكن يعيبه
طول السرد عن الحوار بشكل مبالغ فيه، فالحوار شبه معدوم وخصوصا في القسم الثاني مع
التكرار علي بعض المعلومات والوصف في أكثر من موضع بطريقة كان يمكن تلافيها وعلي
الرغم من تلك الهفوات الا ان "علام" اثبت جدارته كروائي متحكم بأدواته
بحرفيه فظلت الرواية متجانسة ومبنية علي أساس روائي قوي.
أكبر مشكلاتي مع الرواية كانت في الفصلين التي أشار قبلهم الكاتب أنهم
معلومات علمية فيزيائية اضافية للتوضيح العلمي ومن لايرغب في قراءتهم عليه التجاوز
واستكمال الرواية، هذا التنبيه دعاني الي الضحك لسببين أولهم ذكرني بأسلوب العراب
"د/أحمد خالد توفيق" ثانيهما ان كل هذا الكم من المعلومات العلمية التي
يصعب علي أمثالي فهمها تجعلني أتخطي الفصلين بقلب مستريح كالهارب من الجحيم ذاته.
الي جانب أن الكاتب شرح نظرياته الفيزيائية والعلمية التي بني عليها روايته في
أكثر من موقف جعلني أفهم الفكرة بوضوح دون الاضطرار للتعذيب النفسي في قراءة
الفصلين.
في القسم الاول من الرواية نقابل المكتشف الانجليزي الأثري "جون
لايدر" ورحلة بحثه ومغامرته في صحراء العراق بالتعاون مع الشاب العراقي
"محمد رشيد" – الشبيهه برحلات "انديانا جونز" – في أسطورة
وجدت مكتوبة في ألواح غريبة عن وجود عالم خفي به سر الاله المقدس، هذا الجزء بكل
مافيه من أحداث ووقائع سريعه ترفع درجة الأدرينالين أثناء القراءة تحمسا لمعرفة
الخطوة التالية كما برع الكاتب في وصف المشاهد المحيطة بالحدث حتي ليشعرك بانك أحد
الابطال.
في القسم الثاني وحيث فجأة وكأنك تحولت الي قراءة رواية مختلفة عن التطور
التكنولوجي والعلوم الفيزيائية فنجد العالم العبقري "ادوارد تاسك" الذي
عاش عمره بعقد الطفولة التي غرزها به والده المتدين المتعصب فسخر الابن علمه
وأفكاره في محاولة اثبات عدم وجود اله وأن بامكان البشر بالعلم أن يصبحوا آلهه وقد
تناول الكاتب الكثير من الابحاث التي ظهرت نتائجها بالفعل وبني عليها تخيله وتصوره
لتطور تلك الاحداث في المستقبل القريب بعد مئة عام من الآن وهي تتناول فكرة الخلق
وأحداث النهاية حتي لتشعر أنك في أحداث فيلم "2012" ، وعلي
الرغم من الفكرة المثيرة والاحداث الممتعة فيعيب هذا الجزء كما أسلفنا القول تكرار
المعلومات والسرد الطويل والفصلين اياهم.
القسم الثالث هو القسم الفلسفي فمن فكرة الرواية وأحداثها يدخل الكاتب في
نقاط شائكة ويتخطي الكثير من النقاط الحمراء الدينية، يدع الرواية تجيب عن سؤال
ماذا لو تمكن البشر من معرفة السر المقدس للخلق؟ هل سيتحول البشري الي اله؟ وكيف
سيكون تصرفه؟ وهل بتصرفه ذلك سينجو؟ هل سيرحم؟ أم أنانيته وغروره سيتغلب عليه
وتنعكس الآية ويصبح شيطان.
وبمناسبه الشيطان يحسب للكاتب أيضا انه أول من دلع الشيطان ب
"لوي" قبل مسلسل "ماوراء الطبيعة".
رواية "الجيل الثالث" رائعة ودسمة فكريا وثقافيا تجعلك تتأمل
كثيرا....
مروه طلعت
4/12/2020
عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق