الجيل الحاصد
انتهيت من قراءة رواية "ورثة ال الشيخ" للكاتب "أحمد القرملاوي" في طبعتها الأولي الصادرة عن الدار العربية للكتاب بعدد صفحات 278 صفحة.
هذا هو لقائي الأول مع الكاتب "أحمد القرملاوي" الذي أسرني في
عالم جميل محبب لنفسي وهو ما أطلق عليه حكاوي الطيبين الذي يشبه "حديث الصباح
والمساء" ذلك العالم الأثير الذي يخطفك عبر السنين ليجعلك تجلس بين جدودك
تراهم وتسمعهم وتشاركهم حياتهم الهادئة الفسيحة بعيدا عن الصخب وضغوط الحياة
المعاصرة والهرولة، فهي رواية تغوص بالقارئ الي أعماق الجذور.
استخدم الكاتب طريقة المزج مابين الحاضر والماضي عن طريق المشاهد المتقطعة
والفلاش باك حيث جعل الراوي يجمع الكثير من الحكايات ويغزلها بطريقة سردية جميلة
جدا وفي الحوار مزج مابين الفصحي وبعض كلمات العامية البسيطة تكاد تكوم غير ملحوظة
أعطت الرواية سحر خاص وطريقة مميزة ابداعية في الكتابة.
الرواية اسمها "ورثة ال الشيخ" اذا فهي تتحدث عن ميراث ووارثون،
الميراث هو ارث عظيم ضارب جذوره في أعماق التاريخ يحمل كل ماحدث في تقلبات الأزمان
من انتصارات وانكسارات من انجازات وفشل من حضارة وضياع من أخلاق وانحلال والوارثون
هم نحن، وقد مثل الكاتب الحالة العامة للرواية بجملة بديعة:
"نحن الجيل الحاصد يا أبتاه نحصد كل شئ ليس المال فقط ولا الأرض ولا
البيوت بل الهزيمة وغمامات الأعين والهتاف الضائع في الفراغات" ص 68 .
تعرض الرواية من منظور الراوي أحد آخر جيل من أحفاد عائلة
"الشيخ" العريقة الممتدة من أيام الحملة الفرنسية ويمتد نسبها الي آل
البيت الشريف تلك العائلة التي لديها في موروثهم أسطورة كنز مدفون في أرضهم ويظل
كل جيل يحلم ويمني نفسه بالعثور علي الكنز الذي نفهم من سياق الأحداث أن الكنز
الحقيقي كان في أنفسهم ولكنهم غافلون.
الشخصية الرئيسية للرواية المهندس
"محمد" الشاب الناجح المؤثر في حياته العملية والاجتماعية حفيد عائلة
الشيخ وأحد الحالمين بكنز الأجداد والذي يهزمه تغير الأحداث ومجريات الحياة وتعجزه
الأزمة التي تعرض لها صديقه وشريكه في العمل عقب أحداث ثورة يناير حيث وجد نفسه في
زمان غير زمانه وبلد أخري ليست بلاده وعليه دفع ثمن أخطاء وفساد وتقاعسات ماضيه لم
يرتكبها حتي ظن أن الهجرة هي الخلاص والنجاة ولكن ظلت جذوره قويه تثبته في أرضه وظل
ارثه فوق أكتافه ثقيل.
الشخصيات في الرواية مرسومة بعناية يظهر فيهم تغير الحياة في مصر من الماضي
الي الحاضر حيث كل جيل يسلم الجيل الذي يليه كل احلامه وطموحاته وانكساراته
وخذلانه ليزيد عليها المزيد من الانكسارات والخذلان ويسلمهم الي الجيل التالي.
بالنسبة لعيوب الرواية من وجهه نظري اتنين، الأول هو وجود الكثير من
الشخصيات الفرعية الهامشية المتداخلة داخل نسيج الشخصيات المتشابك جعلني أفقد
التركيز والتوهان داخل سلسلة صلة القرابة، الثاني هو تشابه الأسماء من بعضها جعلني
في نفس التيه السابقة قد يكون ذلك مقصودا من الكاتب كدليل علي تماسك وترابط
العائلة.
وفي النهاية الرواية رائعة جدا منسوجة بيد روائي محترف سعدت بالقراءة له
كثيرا.
مروه طلعت
26/9/2020
#عايمة_في_بحر_الكتب
تعليقات
إرسال تعليق