نور النجمة


انتهي اليوم الدراسي وخرجت تحمل حقيبتها المدرسية علي كتف واحدة تضحك بملئ فيها مع رفيقتها يجتران ذكريات يومهما ومشاغباتهما اللطيفة في المدرسة وخططهما لليوم التالي واذ فجأة تتوقف رفيقتها عن السير بالقرب من بوابة المدرسة لتخبرها أن عليها انتظار أبيها الذي سيأتي ليأخذها الي درسها. لم تلبث أن فاتت دقيقة حتي أتي والد رفيقتها فتصافح معها وأخذ بيد ابنته وسار بها وهي تلوح لها مودعة.

سكنت في مكانها دقائق أخري بعد ماغابت رفيقتها عن نظرها وتنهدت وبدأت في السير الحثيث وقد تهدلت كتفاها وانزلت حقيبتها الي الارض تجرجرها حتي وصلت الي المنزل.

دقت جرس الباب فتحت لها أمها ولكنها لم تلق لها سلاما واتجهت الي غرفتها واغلقت بابها. كان اندهاش الام عظيما ولعبت برأسها الظنون ولكنها اختارت الصبر قليلا لعلها تحتاج الي القليل من الاختلاء بالنفس ولكن عاد القلق ينهش صدرها حينما أتي ميعاد الغداء وكل ذلك الوقت تغلق ابنتها بابها ولم تخرج.

ذهبت الام الي باب غرفة ابنتها وطرقته منادية باسمها فدعتها ابنتها للدخول. دخلت مبتسمة فوجدتها ارتدت منامتها وجالسة علي طرف سريرها سارحة في شباكها فجلست الأم الي جوارها واحتضنت رأسها وسألتها عم بها؟. نزعت رأسها من حضن أمها وسألتها بحدة مباغتة أين أبي؟ لم البعد كل تلك السنين؟ لم انفصلتما؟ أنا لم أشاهده قط ولا أعرف ملامحه الا من تلك الصورة اليتيمة التي اهديتني اياها. هل مات؟ فهو لايسأل عني ولا حتي يبعث لي بنفقاتي أنا الآن في السادسة عشر من عمري لماذا يتركني أعيش في كنف رجل آخر غيره؟ الي متي سيظل مختفيا عني وما سبب الاختفاء هل يكرهني أم يكرهك فيعاقبني بذنبك؟ أم أنك تتعمدين بعده عني.

نظرت الأم الي ابنتها طويلا ثم قالت حقا كبرت ياصغيرتي. تنهدت الأم وقالت بصوت هادئ بنبرة كسيرة أباك لم يمت ولا يمكن له أن يكرهك ولكن لكل منا أسبابه ولن أحكي لكي أسبابي سأدعك تسمعين أسبابه بنفسك. نهضت الأم واحضرت ورقة مطوية بعناية وأعطتها لابنتها وقالت احتفظت بها لهذه اللحظة ثم انصرفت بهدوء مطأطأة الرأس ثم التفتت لابنتها وقالت انتي أغلي من حياتي واغلقت باب الغرفة ورائها.  

فضت الورقة سريعا فوجدت مكتوب بها رقم جوال فتكهنت أنه رقم والدها الذي أخفته أمها عنها. قفزت سريعا الي مكتبها والتقطت هاتفها وضربت الارقام سريعا ووضعت الهاتف علي اذنها تستمع الي رنين الخط الآخر وكأنه نبضات قلبها.

أتاها صوته بعد مدة شعرت وكأنها قرون يسأل عن المتصل أجابته بصوت مرتعش خافت "بابا"……

فترة صمت غريبة لم تستمع فيها غير أنفاسه أعقبها رده "كيف حالك؟" تجاهلت برود رده ونبرات صوته وأندفعت تحدثه بكل شوق عن مكنون صدرها من اشتياقها واحتياجها له وكم تتمني أن تراه وتتحدث معه كثيرا أن تكون بقربه تشعر بحنانه واحتوائه يداوي جروح هجرها ويشعرها بالأمان تشعر أن لها ضهر وسند كباقي زميلاتها  وعلاقتهن مع آبائهن.

تركها تتحدث وظل صامتا حتي فرغت فأستشعرت خواء العاطفة علي الطرف الآخر فقالت في احباط "ألو" جاءها الرد "كيف حال أمك؟!".

اندهشت من طرح هذا السؤال بعد كل ما قالته وسيل المشاعر المنهمرة من قلبها الي أذنيه يتجاهلها ويسأل عن امها ولم؟ ألم ينتهي كل شئ ومن سنوات. ألم يتركها ونساها كيف له تذكرها وابنته من طلبته.

لم يمهلها في دهشتها كثيرا وبدأت وصلة حديثة " أتدرين أن أمك كانت جارتي وحبيبتي كانت نجمتي عرفتها من يوم مولدها رأيتها تكبر يوما بعد يوم عشقتها ولم تشغلني فتاة غيرها كانت هي الوجود والحياة وكانت تثور بداخلي براكين الغضب لو رأيت مجرد نظرة من أحدهم اليها كنت أغار عليها حتي من أخيها حينما يمسك بيدها وهو ذاهب بها الي مدرستها دعوت الله في كل صلواتي أن تكون من نصيبي تكن لي وحدي تجرأت وكنت اعترض طريقها ذهابا وايابا أكتفي منها بنظرة أو ابتسامة خجلي تنعش قلبي وتنبأني أن حبل الوصل ممدودا تجرأت أكثر وبعثت اليها بخطابات مليئة بحروف شوقي كانت تتلقاها ولاترد كان ردها السطوع من شرفتها ونظرتها بابتسامتها الخجلي التي تسحرني وكان هذا أبلغ رد يكفيني عملت بجانب دراستي حتي أستطيع توفير مبلغ أختصر به طريقي الي حلمي نعم أمك كانت حلمي الذي حلمت به ليالي وعندما تحقق حلمي شعرت أني أمتلك الدنيا ومافيها أمتلكت نجمتي أصبحت لي وحدي لايحق لأحد أن يراها أو يسمعها أو يتحدث اليها غيري فهي ملكي لذا منعتها من زيارى أحد أو أن يزورنا أحد حتي أمها وأبيها ألا يكفي أن أطمئنهم عنها هي تعيش في مملكتي وحمايتي لابد أن تكتفي من العالم بوجودي كما أكتفيت بها عن سائر النساء هذا هو العدل ولكنها تمردت وثارت وأصبحت حياتنا جحيم ولكني كنت علي موقفي أنا لا أحتمل أن أراها من كائن من كان غيري فكنت أحرص عند خروجي بغلق الباب جيدا بأكثر من مفتاح حتي أعود لزيادة أطمئناني بأن لا أحد يري نجمتي سواي في ذلك الأثناء حملت أمك بك وسارت بنا الأيام في شجار وخلاف ومحاولاتها للهرب من جنتي حتب أتي يوم وجائها المخاض وكنت وقتها في عملي ظلت تصرخ وتستغيث حتي جاءها من كسر لها الباب ولحقها أمها وأبيها وأخيها الي المشفي وعندما عدت وأدركت ما حدث انطلقت الي المشفي فوجدتها وضعتك وحولها الكثير من الأهل والجيران لم أكترث بالهجوم العنيف علي الذي وصل الي حد التطاول بالأيدي لولا تفريق بعض الناس بيننا كل ما كنت أهتم به كيف لكل هؤلاء أن يروا نجمتي لايحق لهم النظر اليها هي ملكي وحدي وظل بركان غضبي يغلي حتي سالت حممي فلم أشعر الا وأنا أنقض عليها صفعا فنالني من أخيها المثل وأكثر فوقعت مغشيا علي واستفقت في المشفي ولم أجدهم رفضت أجراء محضر بالواقعة وجريت الي بيت أبيها وأنا لا أري الطريق من دموعي وانفطار قلبي الذي أدرك أن نجمته هربت من يده. ذهبت وأنا كلي ندم ولكن ضاعت طرقاتي سدي وسطت الكثير وعرضت أسفي ولكن كان فات الأوان كان قلب أمك امتلأ بالحقد والضغينة نحوي. طلبت الطلاق وأنا رفضت لست مجنونا حتي أضيع نجمتي للأبد وأصررت علي الأمل حتي أقامت دعوي خلع. أصبحت بعدها كائن بلا روح وزادت من عذابي بأنها اخذتك وغادرت جيرتي فأصبحت قتيلا يمشي علي الأرض".

عم السكون دقيقة بين الطرفين حتي قطعته ابنته بصوت مخنوق "وأنا يا أبي لم تركتني كل تلك السنوات؟". سمعته يتنهد وقال"أسمك نور لأنك نورها فمتي ذهبت النجمة ذهبت بنورها".

أنهت المكالمة وألقت نظرة الي عداد المكالمة فوجدتها ساعة وربع ابتسمت بطرف فمها ونهضت خارجة الي حيث جلست أمها تنتظرها فما أن رأتها حتي نظرت اليها بعينين متسائلتين. جلست بجوار أمها وقالت "هو يريد النجمة وليس نورها". 

مروة طلعت

4/9/2020

#عايمة_في_بحر_الكتب  

 


 

  

 

تعليقات

  1. فرأت ما خطت يدك جيدا سيدا وتفاعلت معه حتى اننى ارتبكت بين الزوجة وزوجها وابنتها
    للحقيقه لم يكن بوسعى الحكم على اى منهما ..من المخطئ الكل له اسبابه
    لكن اللذى اتيقن منه ان بينهما ضحيه .
    أسلوب الكتابه سهل وبسيط ورائع أيضا
    اتمنى ان تستمرى ..دام ابداعك.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا