الحاج جوزيف كليمس ألمان

انتهيت من قراءة رواية "الحاج ألمان" للكاتب "ابراهيم أحمد عيسي" الصادرة عن دار كتوبيا للنشر والتوزيع في طبعتها الأولي بعدد صفحات 299 صفحة.

حالفني الحظ واستمتعت بقراءة رواية "باري" سابقا لنفس الكاتب تلك الرواية الخالدة وظللت احيا بين ربوعها أيام طويلة بعد انتهائي منها وقد ظننت أن العبقرية تجلت في تلك الرواية دون غيرها حتي قرأت رواية "الحاج ألمان" فأدركت أن الروعه لم يكن مكمنها في الرواية بل أنها متجسدة في شخص "ابراهيم أحمد عيسي" ذلك الروائي الذي أعده طفرة عظيمة في عالم كتاب القرن الحادي والعشرين.

لقراءة ريفيو رواية "باري"

https://marwatalaa.blogspot.com/2020/06/blog-post_49.html

انسلخ الكاتب في رواية "الحاج ألمان" من عباءة وأسلوب رضوي عاشور الذي كان واضح جليا في "باري" وتمطي بأسلوبه الخاص والفريد في سرد الاحداث الذي يتمتع باللغة العربية الفصحي واتقانه لرسم الصور والكلمات لنحت ملحمة ابداعية تشعر بأنك وسط أتونها المستعر.

تنتقل الرواية من ألمانيا الي فرنسا الي الجزائر وأخيرا ريف المغرب منذ مئة عام وتبحر بنا في تاريخ وبطولات منسية وقت الاحتلال الاسباني الفرنسي لبلاد المغرب وتزامنا مع الحرب العالمية الأولي ومقاومة الأمزيغيين الباسلة بقيادة البطل "محمد بن عبدالكريم الخطابي" تسليط ضوء رائع لبطولات مشرفة منسية عمدا.

الرواية عبارة عن رحلة بحث عن الذات في متاهه الاختيار بين الحق والباطل بين الحرية والاستعباد رحلة شديدة الصعوبة والمعاناة وجهاد النفس جسدها كل شخصيات الرواية كلا بأسلوبه الخاص من أبرزهم "جوزيف كليمس" الشهير ب "ألمان" الذي ابتدأ رحلته في الحياه بالتخلي عن أحلامه مقابل مافرضه عليه الآخرون حتي أصبحت حياته سلسلة من التخليات والخذلان والفقد من أول الحبيبة ثم الأم حتي الوطن. هرب جوزيف للبحث عن ذاته وحريته ليدرك أن الحرية ليست خاصة بل عامة وشمولية حتي يشعر بحريته الخاصة.

يصادفنا شخصيات أخري حاكها المؤلف بمنتهي البراعه مثل "عبد الله الصربي و اسماعيل التركي وسيدو السنغالي" أصدقاء "ألمان" في نفس التيه وطريق الهروب الذي فرض عليهم فصاروا كالأنعام يسعون بلا هدف حتي عثروا علي هدفهم وفهموا حقيقتهم فكل منهم أختار أسلوب وطريق معين للوصول لنفس الهدف وهي الحرية من وجهه نظر كل منهم.

نأتي لأجمل شخصية في الرواية وهو "رينيه" الصحفي الساعي خلف القصص وأسميه الساعي خلف الحقيقة الملئ بالحيوية والتفاؤل والحماس والصديق المخلص فهو حلقة الربط مابين الاحداث والشخصيات والراوي العام للحكاية نسجها المؤلف بأسلوب الرسائل الصادرة والوارده مابين "رينيه" و"ألمان" الي جانب قصة حبه الجميلة وكفاحه الخاص والشاق للوصول لمحبوبته جعلني أشعر أن كفاح "ألمان" للحرية متعادل في عنفه وقسوته مع كفاح "رينيه" للوصول الي الحبيبة الا أن البدايات والنهايات لكل منهما معكوسة فكما بدأت حياه "ألمان" بالخذلان والانكسار أنتهت حياه "رينيه" بنفس الخذلان والانكسار.

جلب لنا المؤلف من قلب التاريخ المنسي شخصيات فدائية بطولية أخلصت لبلادها المغرب وأظهرت شجاعه وبسالة الأسود ربت الرعب في قلوب الأسبان والفرنسيين لسنوات مثل المقاتلة "ايطو الزيانية" والبطل "أوحمو الزياني" والمرشد الطيار"حدو لكحل" .

أكثر مشهد آلمني عند القاء غازات الخردل السام علي المدنيين الريفيين وموت ابن عبدالله الصربي الصغير فلقد برع المؤلف في رسم المعركة تفصيليا حتي شعرت بحرقة قلب الأب ومدي الوحشية والهمجية للاحتلال حيث ينتشر الكذب في أفواههم بأنهم متواجدين من أجل تعليم الغوغاء والهمجيين من الشعب الارتقاء والمدنية والحقيقة هم الغوغائيين والهمجيين والوحوش يأكلون خير البلاد ولحم وعظام شعوبها.

في النهاية الاحتلال موجود في كل الازمان حتي في زمنا يختلف الاسلوب من احتلال عسكري الي احتلال فكري من احتلال دول لاخري الي احتلال حكومات لشعوبها تختلف الطريقة والنهج والبؤس والاستعباد واحد ولكل منا طريقه وأختياره مابين الحق والباطل وبين الحرية والاستعباد.

تقييم الرواية : 9 ونصف من 10

مروه طلعت

3/8/2020

 #عايمة_في_بحر_الكتب

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خماراويه

السلطانة شجر الدر 6

نشأة محمد علي باشا